بسم الله الرحمن الرحيم..
كتاب رائع جدا لكن صراحة لم أقرأه بالكامل..لكن قرأت مقتطفات منه وسأعود لأقرأه بتمعن إن شاء الله..نصيحة للكل باقتناءه.
اسم الكتاب: سوِّق فكرك (تسويق الأفكار جولة بين العلوم)
المؤلف: د.عبدالله بن سالم باهمام
اذهلتني عدة مقاطع اذكر منها هذا المقطع:
من صفحة 211 إلى 213
اسطورة الزعيم (غاندي)..صناعة الاحتلال البريطاني:
كان الزعيم الهندي (غاندي) من الزعماء القلائل الذين نالوا شهرة واسعة في هذا العصر, وحيثما ذكر نجد الثناء العطر يرافق سيرته, وأنه بطل المقاومة السلمية التي يحرص الغرب على تصديرها إلى العالم الإسلامي, وتذكيرهم بها في كل مناسبة..فيا ترى ما سر هذا الرجل الذي ظهر فجأة على المسرح السياسي في الديار الهندية؟!
عندما توفي السلطان العثماني محمد الفاتح-رحمه الله-(886هـ) وهو يحاصر روما دعا بابا الفاتيكان في روما النصارى في أوروبا إلى الصلاة,شكراً لله ابتهاجا بوفاة محمد الفاتح!.
هذه الحالة من الرعب والفزع لم تكن لتغيب عن أوروبا الصليبية في نظرتها إلى العالم الإسلامي, لذا فقد كان أخطر عمل قامت به بريطانيا هو إلغاء الخلافة الإسلامية, وإسقاط الدولة العثمانية, وتيفتيت العالم العربي والإسلامي, حتى لا تضطر أوربا لإقامة صلاة الشكر مرة أخرى!.
لقد أدى قيام بريطانيا الصليبية بإلغاء الخلافة الإسلامية إلى إذكاء روح المقاومة الإسلامية في الهند, ومن ذلك تأسيس المسلمين جمعية إنقاذ الخلافة في عام (1920 م),وقاموا بجمع (سبعة عشر مليون روبية) لأجل هذا الغرض.
وهنا طفا على السطح فجأة شخص هندوسي اسمه: (غاندي), وقام بالتقرب إلى جمعية إنقاذ الخلافة, وطرح عليهم فكرة التعاون مع حزب المؤتمر الوطني الهندي, فرحب المسلمون بذلك,ولما عقد أول اجتماع بين الطرفين, طرح المسلمون شعار استقلال الهند عن بريطانيا, بدلا عن فكرة إصلاح حالة الهند التي كانت شعار المؤتمر الوطني, لكن (غاندي) عارض هذا المقترح وثبط الهمم.
وفي عام (1921م) عقد الطرفان اجتماعا مهما تمكن فيه المسلمون من فرض شعار الاستقلال عن بريطانيا, وقاموا بتشكيل حكومة وطنية لإدارة البلاد.
هذا التطور الخطير لم تكن بريطانيا لتسمح له بإفساد فرحتها بإسقاط الدولة العثمانية, وتقسيم العالم الإسلامي, لذا فقد قام (ريدينج) الحاكم البريطاني للهند بالاجتماع بغاندي, وقال له: "إن مصدر الحركة الإستقلالية في الهند هم المسلمون, وأهدافها بأيدي زعمائهم, ولو اجبنا مطالبكم, وسلمنا لكم مقاليد الحكم, صارت البلاد للمسلمين, وإن الطريق الصحيح هو أن تسعوا أولاً لكسر شوكة المسلمين, بالتعاون مع بريطانيا, وحينئذ لن تتمهل بريطانيا في الإعتراف لكم بالإستقلال,وتسليم مقاليد الحكم في البلاد إليكم".
وبناء على التنسيق والتفاهم الذي تم بين (ريدينج) و(غاندي) قامت بريطانيا بالقبض على الزعماء المسلمين المنادين بالإستقلال, فأصبح الطريق ممهدا أمام (غاندي) الذي طلب من هيئة المؤتمر الإسلامي الهندوسي أن تسلم له مقاليد الأمور بصفة مؤقتة, نظرا لقبض بريطانيا على الزعماء المسلمين, وعندما عقد أول اجتماع برئاسته نفذ ما تم الاتفاق عليه مع الحاكم البريطاني (ريدينج), واعلن أن الوقت لم يحن بعد لاستقلال الهند.
يقول الأستاذ أنور الجندي -رحمه الله-:"لقد كانت دعوة غاندي إلى ما سماه اكتشاف الروح الهندي الصميم, والرجوع إلى الحضارة الهندية, هو بمنزلة إعلان حرب على الحضارة الإسلامية التي عاشت على أرض الهند أربعة عشر قرنا, وغيرت كل مفاهيم الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية, بل إنها غيرت مفاهيم الهندوكية نفسها"
وعندما اطمأنت بريطانيا على مقدرة الهندوس على حكم الهند: قامت بترتيب الأمور لإستقلال الهند, لقد كان عام (1948م)الفصل الأخير من مسرحية غاندي وبريطانيا, حيث سلب الحق من أهله بإعلان استقلال الهند عن بريطانيا في تلك السنة, لكن مسرحية المقاومة السلمية التي قام غاندي فيها بدور البطل لا تزال تعرض إلى يومنا هذا.
بقي أن نشير إلى أن من يطلق شرارة الحقد والكراهية لا بد أن يكتوي بنارها, فقد مات غاندي مقتولا عند استقلال الهند, ثم تبعه في عام 1978م آخر حاكم بريطاني للهند, حيث قتل على أيدي الثوار الأيرلنديين.
من عرض هذا النموذج نستخلص عدة دلالات هامة: فقد اجاد الاحتلال البريطاني اختيار نموذج الزعيم, وصناعته, وتسويقه لدى شعب الهند بطوائفه المختلفة, ف(غاندي) نحيل الجسد, فقير كأغلب الهنود, يظهر التقشف في العيش والزهد في الزعامة,وهي كلها صفات ضرورية ساعدت على تقريب صورته لدى الشعب الهندي, خاصة الفقراء منه, والذين كانوا يمثلون الغالبية العظمى من الشعب وقتها, حيث استنزف الاحتلال ثروات البلاد, واستولى على مقدراتها............